responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 207
[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 184]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)
قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى كُتِبَ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ افْتَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَالصِّيَامُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الْإِمْسَاكُ، وَتَرْكُ التَّنَقُّلِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَيُقَالُ لِلصَّمْتِ: صَوْمٌ، لِأَنَّهُ إِمْسَاكٌ عَنِ الْكَلَامِ، وَمِنْهُ: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً [1] أَيْ: إِمْسَاكًا عَنِ الْكَلَامِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَخَيْلٌ تَعْلُكُ اللُّجُمَا
أَيْ: خَيْلٌ مُمْسِكَةٌ عَنِ الْجَرْيِ وَالْحَرَكَةِ. وَهُوَ فِي الشَّرْعِ: الْإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ مَعَ اقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِهِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقَوْلُهُ: كَما كُتِبَ أَيْ: صَوْمًا كَمَا كُتِبَ، عَلَى أَنَّ الْكَافَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى النَّعْتِ، أَوْ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ مُشْبِهًا مَا كُتِبَ، عَلَى أَنَّهُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ. وَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ: إِنَّ الْكَافَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ نَعْتًا لِلصِّيَامِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الصِّيَامَ مُعَرَّفٌ بِاللَّامِ، وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي قَوْلِهِ: كَما كُتِبَ رَاجِعٌ إِلَى مَا. وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي وَجْهِ التَّشْبِيهِ مَا هُوَ؟ فَقِيلَ: هُوَ قَدْرُ الصَّوْمِ وَوَقْتُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى صَوْمَ رَمَضَانَ فَغَيَّرُوا وَقِيلَ: هُوَ الْوُجُوبُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى الْأُمَمِ الصِّيَامَ وَقِيلَ: هُوَ الصِّفَةُ، أَيْ: تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا فِي وَقْتٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ صَوْمَ رَمَضَانَ كَمَا كَتَبَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَعَلَى الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الصِّيَامَ كَمَا أَوْجَبَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَعَلَى الثَّالِثِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الْإِمْسَاكَ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ كَمَا أَوْجَبَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَقِيلَ: تَتَّقُونَ الْمَعَاصِيَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، لِأَنَّهَا تَكْسِرُ الشَّهْوَةَ وَتُضْعِفُ دَوَاعِيَ الْمَعَاصِي، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ جُنَّةٌ وَأَنَّهُ وِجَاءٌ. وَقَوْلُهُ: أَيَّاماً مُنْتَصِبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِقَوْلِهِ: كُتِبَ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ: وَقِيلَ: إِنَّهُ مُنْتَصِبٌ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ، أَيْ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ فِي أَيَّامٍ. وَقَوْلُهُ: مَعْدُوداتٍ أَيْ: مُعَيَّنَاتٍ بِعَدَدٍ مَعْلُومٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْجَمْعِ- لِكَوْنِهِ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ- إِشَارَةٌ إِلَى تَقْلِيلِ الْأَيَّامِ. وَقَوْلُهُ:
فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً قِيلَ: لِلْمَرِيضِ حَالَتَانِ: إِنْ كَانَ لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ كَانَ الْإِفْطَارُ عَزِيمَةً، وَإِنْ كَانَ يُطِيقُهُ مَعَ تَضَرُّرٍ وَمَشَقَّةٍ كَانَ رُخْصَةً، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَوْلُهُ: عَلى سَفَرٍ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّفَرِ الْمُبِيحِ لِلْإِفْطَارِ فَقِيلَ: مَسَافَةُ قَصْرِ الصَّلَاةِ، وَالْخِلَافُ فِي قَدْرِهَا مَعْرُوفٌ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ بِمَقَادِيرَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا. وَالْحَقُّ أَنَّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ مُسَمَّى السَّفَرِ فَهُوَ الَّذِي يُبَاحُ عِنْدَهُ الْفِطْرُ، وَهَكَذَا مَا صَدَقَ عَلَيْهِ مُسَمَّى الْمَرَضِ فَهُوَ الَّذِي يُبَاحُ عِنْدَهُ الْفِطْرُ. وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْفِطْرِ فِي سَفَرِ الطَّاعَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الرُّخْصَةَ ثَابِتَةٌ فِيهِ، وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ. وَقَوْلُهُ: فَعِدَّةٌ أَيْ: فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ، أَوْ فَالْحُكْمُ عِدَّةٌ، أَوْ فَالْوَاجِبُ عِدَّةٌ وَالْعِدَّةُ: فِعْلَةٌ مِنَ الْعَدَدِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَعْدُودِ. وَقَوْلُهُ:
مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَمْ يَنْصَرِفْ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنِ الْآخَرِ، لِأَنَّ سَبِيلَ هَذَا الْبَابِ أَنْ يأتي بالألف

[1] مريم: 26.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 207
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست